بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الصلاة والسلام على أشرف الخلق والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وسلم تسليما كثيرا ، أما بعد ...
* سأروي اليوم لكم قصة قصيدة الاصمعي التي تحدى بها أبو جعفر المنصور أن يحفظها .
* أبو جعفر المنصور كان يحفظ القصيدة من أول مرة مهما كانت طويلة ،
وعنده خادم يحفظها من مرتين ، وعنده جارية تحفظهامن ثلاث مرات
أبو جعفر أمير المؤمنين الذي بنى مدينة بغداد ،
شرط على رابطة الادباء ألا يعطي الشاعر على قصيدته إلا إذا كانت من قوله ،
أما إذا كانت من مقوله لا يعطيه شيئا عليها ، فيأتي الشاعر ويكون قد نظم قصيدة من بنيات أفكاره ،
فيدخل على بلاط أبي جعفر ،
فيقول له أبو جعفر : أتحفظ الشروط ؟ يقول له نعم .
إن كانت قصيدتي من قولي تجيزني وزن الذي كتبته عليها ذهباً ،
أما إذا كانت من مقولي فلا تعطيني شيئاً عليها ،
فيسرد الشاعر القصيدة كلها ، فيقول له أبو جعفر : إني أحفظها منذ زمن ،
يقول الشاعر : أنا الذي نظمتها كيف تحفظها يا أمير المؤمنين ؟
يقول له اسمعها فيسردها أبو جعفر كلها ، ويكون قد خبأ الغلام وراء الباب ،
الغلام يحفظها من مرتين ( سمعها من الشاعر وسمعها من أبو جعفر ) فيسردها كلها ،
والجارية تحفظها من ثلاث مرات ( سمعتها من الشاعر وأبو جعفر والخادم )
فتسرد القصيدة كلها ، فأصيب شعراء العراق بعقدة ، فأصبح الشاعر يقول : أنا لست بشاعر !!
حتى جاءهم الاصمعي قال مالي أراكم كــئــيــبـــيـــن وقاتمين ؟!
قالوا يا أصمعي ؛ ننظم القصيدة من بنيات أفكارنا ليلة كاملة
فندخل على بلاط أبي جعفر وإذا به يحفظها والغلام والجارية ،
قال دعوا الامر لي إن في الامر خدعة .
فنظم أعقد قصيدة ،كثر فيها من الاحرف والكلمات المعقدة ، ولما سل سيف الفجر من عند الظلام ،
وتعرى الليل من ثوب الغلس ، تنكر الاصمعي وتلثم ووضع شعرا مستعارا وعقص ورفعه كالقرون ،
ودخل حافي القدمين يجر ناقته ،
السلام على أمير المؤمنين ، قال وعليك السلام ، اصرفوا هذا الشحاذ وأعطوه ، قال سيدي أنا لست بشحاذاً ،
أنا شاعر من أعراب الموصل ، قال أبو جعفر أتحفظ الشروط ،
قال نعم ... ان كانت قصيدتي من قولي تعطيني وزن
الذي كتبته عليها ذهبا اما اذا كانت من مقولي لا تعطيني شيئا عليها .
ويسترخي الخليفة وينظم الاصمعي قصيدته المعقدة فيقول :
صوت صفير البلبل هيج قلب الثمل ِ
الماء والزهر معا مع زهر لحظ المقلي
وانت يا سيدلي وسيدي وموللي
فكم فكم تيمني غزيل عقيقلي
قطفته من وجنة من لثم ورد الخجلي
فقال لا لا لا لا لا وقد غذا مهرولي
( أبو جعفر المنصور صار يعد اللاءات واذا بأكثر من ثلاث فضيع )
والخوذ مالت طربا من فعل هذا الرجل
فولولت وولولت ولي ولي يا ويللي
فقلت لا تولولي وبين اللؤلؤلي
قالت له حين كذا انهض وجد بالنقلي
وفتية سقونني قهوة كالعسللي
شممتها بأنفي أزكى من القرنفلي
في وسط بستان حلي بالزهر والسرورلي
والعود دم دم دملي والطبل طب طب طبلي
طب طب طب طب طب طبلي
والرقص قد طاب لي والسقف سق سق سقلي
شوا شوا وشاهش على ورق سفرجلي
وغرد القمري يصيح ملل في مللي
ولو تراني راكباً على حمار أهزلي يمشي على ثلاثة كمشية العرنجلي
والناس ترجملي بالسوق بالقنقنلي
والكل كع كع كع خلفي ومن حويللي
لكني مشيت هارباً من خشية العقنقلي
إلى لقاء ملك معظم مبجلي
يأمرلي بخلعة حمراء كالدم دملي
أجر فيها ماشيا مبغددا للذيلي
أنا الاديب الالمعي من حي أرض الموصلي
نظمت قطعا زخرفت يعجز عنها الادبولي
أقول في مطلعها صوت صفير البلبلي
----------------------------
قال تحفظها يا أمير المؤمنين ؟!؟ ، أبو جعفر قال : ها !!؟
قال تحفظها ، قال والله ما سمعت بها أبداً ، قال يا خادم تحفظها ؟!
قال والله ما سمعت بها أبداً .
أيتها الجارية ! قالت والله يا سيدي ما سمعت بها أبداً .
قال : أيها الشاعر هات قصيدتك حتى نزنها ونعطيك وزن الذي كتبته عليها ذهبا ،
فلما نظم القصيدة ( الاصمعي ذكي يعلم مافي خزانة الدولة )، أخذ مال الدولة كله ،
أخذ الجمل الاول الثاني الثالث ...... ، قال الاصمعي : خربت بيتي !
قال أبو جعفر : هذا شرط *
فعند آخر خطوة تنحنح الاصمعي وتنحنح لا إرادي فتبسم ضاحكا ،
قال هذا هو الاصمعي يا سيدي ، قالوا امط اللثام ، قال لا امط اللثام ،
فأماطوا اللثام رغماً عنه ، قال أبو جعفر : كيف تجرأت في مجلسنا وبلاطنا يا أصمعي ؟!
قال : نعم يا سيدي ، انك بفطنتك وحذاقتك قطعت أرزاق الشعراء .
قال أمير المؤمنين : أعد الخزنة .
قال لا اعيدها حتى تعطي الشاعر على قوله وعلى مقوله ،
قال أبو جعفر : لك ذلك ولك خزانة الدولة وعندئذٍ فرج الله عن الشعراء .
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
والحمد لله رب العالمين .

0 التعليقات: