نشيد الجبار ( هكذا غنّى بروميثيوس )



نشيد الجبار ( هكذا غنّى بروميثيوس )

ابو القاسم الشابي شاعر تونسي ولد في قرية الشابية من ضواحي توزر جنوب تونس عام 1909 م ، وتوفي عام 1934 م ، كان أبوه قاضياً فتنقل مع أسرته في كثير من مدن القطر التونسي ، لهذا لم يشعر الشابي بالاستقرار ، تعلم في الكتـّاب صغيراً ، ثم التحق شاباً بجامع الزيتونة ، فكون ثقافة ً عربيةً واسعة جمعت بين التراث العربي القديم في أزهى عصوره وروائع الادب العربي الحديث ، وهو وإن لم يتقن لغة اجنبية إلا أنه كان دائم المتابعة لما يترجم وينشر من الآداب العالمية . تخرج في الزيتونة عام 1927 م ثم انتسب الى كلية الحقوق التونسية ، وفي هذه الفترة اصيب بثلاث صدمات عنيفة : زواج غير موفق ، وموت الفتاة التي أحبها ، ووفاة والده الذي حمّله أعباء مادية ثقلية ، ومع ذلك واصل دراسته في كلية الحقوق حتى أتمها عام 1930 م . بدأ نشاطه الادبي في الصحف المحلية ، ثم الصحف والمجلات العربية ، واتصل بجماعة أبولو ، وأدب المهجر ، وصار بالرغم من مرض تضخم القلب الذي كان يعاني آثاره في حياته القصيرة أحد أعلام المدرسة الابتداعية ( الرومانتيكية ) العربية . له ديوان شعري مطبوع ، والخيال الشعري عند العرب ، ومجموعة من الرسائل المنشورة .
شوقي ضيف / دراسات في الشعر العربي المعاصر
www.arabicpoems.com

-----------------------------------------------------------
قصة بروميثيوس

جاء في الاساطير اليونانية القديمة أن بروميثيوس عندما اقتبس قبساً من نار الشمس وأتى به البشر كرمزٍ لبدء الحضارة أو رمز للمعرفة ، ثار ( زيوس ) إله الشمس والنار والضوء ، وأرسل أحد أتباعه ، ومعه بعض زبانيته ليصلبوا بروميثيوس على صخرة عاتية في جبال القوقاز ، ثم أرسل له نسراً ينهش كبده في النهار ، ويتركه في الليل فينمو الكبد من جديد ، ويستأنف النسر نهشه مرة أخرى ، وظل بروميثيوس يعاني هذا العذاب سنين طويلة حتى ظهر من سلالة البشر بطل عملاق هو ( هرقل ) الذي صوب للنسر سهماً فأرداه قتيلاً ، وبذلك خلص بروميثيوس من عذابه المقيم .
محمد مندور / الادب وفنونه / مصدر سابق / ص:111

-------------------------------------------------------------------------






والآن أترككم مع قصيدة نشيد الجبار عندما كان الاحتلال في تونس :

سَأعيشُ رَغْمَ الدَّاءِ والأَعْداءِ كالنِّسْر فوقَ القِمَّة ِ الشَّمَّاءِ
أَرْنو إِلَى الشَّمْسِ المضِيئّة ِ..،هازِئاً بالسُّحْبِ، والأمطارِ، والأَنواءِ
لا أرمقُ الظلَّ الكئيبَ..، ولا أَرى ما في قرار الهَوّة ِ السوداءِ...
وأسيرُ في دُنيا المشاعِر، حَالماَ، غرِداً- وتلكَ سعادة ُ الشعراءِ
أُصغِي لموسيقى الحياة ِ، وَوَحْيها وأذيبُ روحَ الكونِ في إنْشائي
وأُصِيخُ للصّوتِ الإلهيِّ، الَّذي يُحيي بقلبي مَيِّتَ الأصْداءِ
وأقول للقَدَرِ الذي لا يَنْثني عن حرب آمالي بكل بلاءِ:
"-لا يطفىء اللهبَ المؤجَّجَ في دَمي موجُ الأسى ، وعواصفُ الأرْزاءِ
«فاهدمْ فؤادي ما استطعتَ، فإنَّهُ سيكون مثلَ الصَّخْرة الصَّمَّاءِ»
لا يعرفُ الشكْوى الذَّليلة َ والبُكا، وضَراعَة َ الأَطْفالِ والضُّعَفَاء
«ويعيشُ جبَّارا، يحدِّق دائماً بالفَجْرِ..، بالفجرِ الجميلِ، النَّائي
واملأْ طريقي بالمخاوفِ، والدّجى ، وزَوابعِ الاَشْواكِ، والحَصْباءِ
وانشُرْ عليْهِ الرُّعْبَ، وانثُرْ فَوْقَهُ رُجُمَ الرّدى ، وصواعِقَ البأساءِ»
«سَأَظلُّ أمشي رغْمَ ذلك، عازفاً قيثارتي، مترنِّما بغنائي»
«أمشي بروحٍ حالمٍ، متَوَهِّجٍ في ظُلمة ِ الآلامِ والأدواءِ»
النّور في قلبِي وبينَ جوانحي فَعَلامَ أخشى السَّيرَ في الظلماءِ»
«إنّي أنا النّايُ الذي لا تنتهي أنغامُهُ، ما دامَ في الأحياءِ»
«وأنا الخِضَمُّ الرحْبُ، ليس تزيدُهُ إلا حياة ً سَطْوة ُ الأنواءِ»
أمَّا إذا خمدَتْ حَياتي، وانْقَضَى عُمُري، وأخرسَتِ المنيَّة ُ نائي»
«وخبا لهيبُ الكون في قلبي الذي قدْ عاشَ مثلَ الشُّعْلة ِ الحمْراءِ
فأنا السَّعيدُ بأنني مُتَحوِّلٌ عَنْ عَالمِ الآثامِ، والبغضاءِ»
«لأذوبَ في فجر الجمال السرمديِّ وأَرْتوي منْ مَنْهَلِ الأَضْواءِ"
وأقولُ للجَمْعِ الذينَ تجشَّموا هَدْمي وودُّوا لو يخرُّ بنائي
ورأوْا على الأشواك ظلِّيَ هامِداً فتخيّلوا أنِّي قَضَيْتُ ذَمائي
وغدوْا يَشُبُّون اللَّهيبَ بكلِّ ما وجدوا..، ليشوُوا فوقَهُ أشلائي
ومضُوْا يمدُّونَ الخوانَ، ليأكُلوا لحمي، ويرتشفوا عليه دِمائي
إنّي أقول ـ لَهُمْ ـ ووجهي مُشْرقٌ وَعلى شِفاهي بَسْمة اسْتِهزاءِ-:
"إنَّ المعاوِلَ لا تهدُّ مَناكِبي والنَّارَ لا تَأتي عَلَى أعْضائي
«فارموا إلى النَّار الحشائشَ..، والعبوا يا مَعْشَرَ الأَطفالِ تحتَ سَمائي»
«وإذا تمرّدتِ العَواصفُ، وانتشى بالهول قَلْبُ القبّة ِ الزَّرقاءِ»
«ورأيتموني طائراً، مترنِّماً فوقَ الزّوابعِ، في الفَضاءِ النائي
«فارموا على ظلّي الحجارة َ، واختفوا خَوْفَ الرِّياحِ الْهوجِ والأَنواءِ..»
وهُناك، في أمْنِ البُيوتِ،تَطارَحُوا عثَّ الحديثِ، وميِّتَ الآراءِ»
«وترنَّموا ـ ما شئتمُ ـ بِشَتَائمي وتجاهَرُوا ـ ما شئتمُ ـ بِعدائي»
أما أنا فأجيبكم من فوقِكم والشمسُ والشفقُ الجميلُ إزائي:
مَنْ جاشَ بِالوَحْيِ المقدَّسِ قلبُه لم يحتفِلْ بفداحة الأعباءِ"
تنبيه : المرجوا عدم نسخ الموضوع بدون ذكر مصدره المرفق بالرابط المباشر للموضوع الأصلي وإسم المدونة وشكرا
abuiyad